لقد تحدث سالفا عن موضوع الامامة و الخلافة، و
الذي شكل الاختلاف و النزاع بشانها، النواة
الاساسية لانقسام المسلمين الى سنة و شيعة، و قد
بينت الراي الصواب في المسالة، و الاسباب
الحقيقية و الخفية التي ادت الى ظهور
ذلك الخلاف، و على راسها:
-انعدام نصوص صريحة و قطعية، دالة بشكل مباشر
على استخلاف علي والائمة من بعده(عليهم السلام).
-انعدام وصية نبوية باستخلاف علي و الائمة من
بعده(عليهم السلام).
و قد اشارت الى ان النبي محمد (صلى الله عليه و
سلم) كان ينوي ترك وصية في ذلك، و لكن حدث ما
لم يكن يتوقعه، و حيل بينه و بين الوصية.
و لعل من بين الحكم و المقاصد من سماح الله تعالى
بحدوث ما وقع، مما يتراى لنا في الظاهر انه
ضرر محض، هو ان الله تعالى اراد ان تكون هنالك
منافسة قائمة بين السنة و الشيعة في مضمار
عبادته و التقرب اليه، اذ من شان وجود فريقين،
ان يكون له اهمية كبيرة في خلق اجواء من
المنافسة و التسابق، و هذا نفسه، ما يحدث في كل
الميادين الحياتية الاخرى، كالاقتصاد و السياسة و
الرياضة والفنون و العلوم و مضمار البحث و
المعرفة و غيرها.
و عليه، يجب القبول بكون كل من مسلك الشيعة و
مسلك السنة هما معا سبيلين موصلين الى الله
تعالى، و ليس ان واحد منهما فقط هو الذي على
صواب، و ان الاخر يجب ازالته و محوه و القضاء
عليه، بل هما معا بمثابة الوجهين لعملة واحدة.
فنحن نعلم مثلا، انه ان يكون للموضع و المكان
الذي نود قصده و التوجه اليه طريقين او اكثر، هو
بلا شك، افضل من ان يكون له طريق واحد فقط. ذلك
ان وجود طريقين او اكثر، سيجعلنا في سعة من
امرنا، و يعطينا فرصة اختيار مانحبذه، و ما
نراه الاقرب، و الايسر، و الانسب، لظروفنا و
احوالنا.فهذا المثال، هو ما يمكن ان نطبقه و
ننزله على مسالة كون المسلمين، يتفرعون الى
قسمين كبيرين، هما: السنة و الشيعة.
فالسنة اتبعوا طريق الاقتداء بالنبي و سنته،
معتمدين في ذلك، على الايات القرانية الدالة على
ذلك و كذا الاحاديث، من مثل الحديث النبوي:
(اني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب
الله وسنتي)(1)
و اما الشيعة، فاتبعوا طريق الاقتداء بالعترة
النبوية من ائمة ال البيت المعصومين(عليهم
السلام)، معتمدين في ذلك، على الايات القرانية
الدالة على ذلك، و كذاالاحاديث النبوية المشيدة
والمزكية لائمة ال البيت المعصومين و منها
الحديث النبوي:
(يا ايها الناس! اني قد تركت فيكم، ما إن اخذتم
به لن تضلوا،كتاب الله و عترتي اهل بيتي)(2)
و مادام ال البيت(عليهم السلام) مزكون و مطهرون
بنص القران، فانه بالتالي،لا يتصور صدور الكذب و
الادعاء و الافتراء و التقول بالباطل منهم، و
يمكن اعتبار كل ما روي عنهم، من احاديث و
تفاسير، و كانوا هم بالفعل مصدره الحقيقي،
اخبارا صحيحة.
فاذا علمنا، بشكل عام، ان طريق المتبعين للسنة
و طريق الشيعة، ليس بينهمااختلاف تناقض و تضاد،
و انما اختلاف تنوع و تعدد و توسعة، فكذلك الامر
يقال في الاخبار الصحيحة المروية عن طريقهما،
فالخبر سواء اكان رواية حديثية،او تفسيرا
قرانيا، هو صحيح، و يُحْمَلُ في حالة اختلاف
المحتوى، على انه اختلاف تنوع، و انه بمثابة إضافة جديدة،
و أنه دليلعلى غنى النص القراني، و اعجازه،
و تعدد ابعاده، و قدرته الكبيرة، على
استيعاب و احتواء كل التفاسير، و ان تعددت،ما
دامت تلك الروايات و النصوص صحيحة النسبة
للمروي عنهم.
==============================================
الهوامش
(1) مستدرك الحاكم:ج1،284
(2) كشف الغمة: ج2، ص 430، ط سنة 1381.
تعليقات
إرسال تعليق