هذا حوار مُتخيلُُ، أَفْتَرِضُ فيهِ، أن المهدي الثاني يُسْأَلُ عن
الديمقراطية، فَيُجِيبُ.
سؤال: كيف تجد النظام الديمقراطي؟
جواب: هو افضل نظام في التسيير و الادارة السياسية للدولة او
الحكم او المؤسسات، بدليل نهج الكثير من الدول المتقدمة له، و
تحقيقها لنتائج باهرة على جميع الاصعدة، و قد انعكس ذلك ايجابا
على الفرد داخل تلك المجتمعات، فنجده يتمتع بحقوق و مزايا، لا
نجدها في مجتمعات اخرى، و ما يدل على قوة و سداد النظام
الديمقراطي، ان الكثير من الدول غير الديمقراطية، تسمي نفسها
كذلك، بانها ديمقراطية، و تسعى جاهدة من خلال بعض المظاهر
الديمقراطية كالانتخابات و غيرها الى الظهور بمظهر الدولة
الديمقراطية.
سؤال: و هل هنالك خلاف بين الديمقراطية و الاسلام؟
جواب: بحسب نظري، ليس هنالك خلاف بين النهج الديمقراطي و
بين الحكامة التي ترغب الديانة الاسلامية فيها، فكلاهما يرومان
اقامة العدل، و يدعوان الى تحديد الصلاحيات، بحيث يتم تفادي
اي شطط في استعمال السلطة، كما يدعوان الى الشورى و اشراك
الجماعة او افراد المجتمع في الامور السياسية العامة، و بهذا
كله، يمكن القول، ان ليس هنالك تناقض بينهما، و انه -كما يقال-
لا مشاحة في الاصطلاح، فان الديمقراطية و ان كانت تسميتها
اجنبية، و لا وجود لها في المفردات العربية، فان فكرتها و
فحواها و مضمونها قائم و و حاضر و موجود في الشريعة
الاسلامية، و يندرج تحت كلية و عنوان و مقصد كبير، هو العدل
و العدالة، و العدل او العدالة تتطور الياتها و وسائلها و طرق
اقامتها و تحقيقها بمرور الزمن، و تطور العلوم، و مثال ذلك:
الامر بالعدل في اقامة الوزن و المكيال، فعند تاملنا في الة الميزان،
نجدها دائمة التطور، حتى اضحت في عصرنا الكترونية و رقمية.
كذلك لو تاملنا في طرق و اليات التحقيق في الجرائم الجنائية، و
ما جَدَّ في مضمارها، من الاعتماد على ادلة البصمات و الجينات
الوراثية و غيرها، لعلمنا، ان اليات اقامة العدل و وسائله و طرقه
تتطور على الدوام، و ان كان الهدف و المقصد الاسمى ثابت
دائما، الا و هو اقامة العدل و العدالة.
سؤال: لكن في الاسلام ما يسمى بالبيعة، الا يخالف ذلك النهج
النظام الديمقراطي؟
جواب: ان البيعة هو عرف و نظام متوارث قديم، و الديمقراطية
هي النظام الجديد، و افضل و أَجَدُّ ما وصل اليه الانسان في مجال
الحكامة، اي ان نظام البيعة عرف تطورا، كما تطورت الاشياء
التالية:
ففي مجال المواصلات مثلا:
انتقل الانسان من استعمال البهائم الى السيارات و المركبات
المختلفة و الطائرات و الصواريخ.
و في مجال البناء و العمران:
انتقل الانسان من البناء بالحجارة و الطين و ما شابه ذلك الى
البناء بالحديد و الاسمنت، و صمم ارقى و اجمل البنايات المزودة
بالماء و الكهرباء و وسائل التصريف و غير ذلك.
و في مجال الاقتصاد:
انتقل الانسان من فلاحة تقليدية و بسيطة الى فلاحة متطورة،
مستعملا وسائل حديثة، كالجرارات و الاسمدة و غير ذلك.
و انتقل الانسان من صناعة تقليدية يدوية الى صناعة متطورة و
حديثة.
و كذلك الامر في مجالات عديدة، فقد تطورت وسائل الكتابة، و
وسائل و طرق الاضاءة، و طرق و مناهج التعليم، و صناعة
النسيج و الالبسة، و مجال الطب و الصيدلة، و مجال الاسلحة
الحربية، و كذا السفن البحرية، و غير ذلك.
فالتطور سنة كونية، مست جميع المجالات الحياتية، بما في ذلك
طرق و منهجيات التسيير و الحكامة السياسية، و بالتالي يمكننا
اعتبار الديمقراطية هي المستجد، و افضل و اقصى ما تم التوصل
اليه في مجال الحكامة السياسية و الادارية، فالبيعة امر قديم،
مرتبط بالاعراف التقليدية القديمة، و الديمقراطية مرتبطة
بالاعراف الحديثة و الجديدة، كما يمكن القول، بان البيعة القديمة
هي بمثابة عقد مطلق، او بمثابة وكالة عامة، اما الديمقراطية
فهي بمثابة عقد خاص او مخصص، او بمثابة وكالة خاصة.
سؤال: هل يمكن ان توضح ذلك اكثر؟
جواب: نعم، اذ يمكن القول ايضا، بان الديمقراطية هي الاقرب
لتحقيق اهداف الدين الاسلامي من نظام البيعة التقليدي، فمن
المقاصد الدينية الاساسية هي ان يعرف الانسان بانه مخلوق و له
خالق، و بان هنالك خلاف كبير ما بين المخلوق و الخالق،
فالمخلوق ناقص الاوصاف، و الخالق كامل الاوصاف، فعلم و
قدرة و قوة و حياة المخلوق مثلا هي ناقصة، و علم و قدرة و قوة
و حياة الخالق كاملة، و المخلوق كذلك ليس مقدسا و منزها عن
الاخطاء و سوء التقدير، اما الخالق فهو مقدس و منزه عن كل
ذلك، و عن كل نقيصة، فاذا كانت اوصاف المخلوق ناقصة، و هو
كذلك معرض للخطا دوما، فانه من غير المناسب ان نسلمه زمام
السلطة المطلقة، و القرارات الفردية المطلقة، لان علمه غير
كامل، و بالتالي قد يكون لقرارته الفردية عواقب كارثية على
المجتمع و الجماعة، و بهذا تكون الديمقراطية هي الانسب، و
الاكثر وئاما و تجانسا مع ذلك المقصد الديني الكبير، فهي تفرض
المشاركة الجماعية في اتخاذ القرارات الهامة، من خلال الحد من
الصلاحيات المطلقة و الفردية للقيادة السياسية، و وضع اليات
للمراقبة و المصادقة على القرارات.
و لنتامل هذا المثال الحي:
استيقظ الرئيس العراقي السابق ذات يوم،
و كان واقعا تحت سحر احدى الجهات، فامر بالهجوم على دولة
الكويت، و كان لهذا القرار، عواقب كارثية على المنطقة، و على
المجتمع العراقي، فلو كانت هنالك ديمقراطية حقيقية، لقيل لذلك
الرئيس، سيدي الرئيس، ليس لديك الحق في اصدار قرار مهاجمة
الكويت، لابد من موافقة البرلمان، و بالتالي سيتم تجنب و تفادي
مثل هذه القرارات الخطيرة و الكارثية.
سؤال: لكن لماذا لم تكن هنالك ديمقراطية في العهود الاولى، و
كان نظام البيعة هو النهج المتبع فقط؟
جواب: هذا شبيه بقولنا، لماذا لم تكن هنالك سيارات في العهود
الاولى، و كانت البهائم هي وسائل النقل السائدة فقط؟
ان المجتمعات انذاك كانت تتبع نظام البيعة، لانه هو العرف السائد
لديها، و الاسلام سار على عادات تلك المجتمعات، و كانت تلك
المجتمعات يغلب عليها طابع البداوة و التخلف، و يسود فيها
الجهل و الامية، و انتشار الجريمة، و عدم الامن، و لذلك لم
يتعمق الناس في التفاصيل و الجزئيات، و انما اكتفوا بالمطلق و
العموميات، سيما في مجال الزعامة و القيادة السياسية، لان
همهم الاكبر كان هو الامن على ارواحهم و ممتلكاتهم، و لهذا كان
عقد البيعة، عقدا عاما، اقرب ما يكون الى مفهوم الوكالة العامة،
و التفويض الكلي، دون التطرق للتفاصيل و الجزئيات.
لكن الان، في عصرنا الحالي، و مع التطورات التي عرفها الانسان
في كل مناحي الحياة، صارت الديمقراطية هي النهج الامثل
للانظمة السياسية، و مما يدل على ان الاوضاع تختلف و تتغير و
تتطور، هو تاملنا في الامثلة التالية:
- حالة شخص متزوج، هي حالة مخالفة و مغايرة، لشخص غير
متزوج.
- حالة اسرة ، لها ابن واحد، هي حالة مخالفة و مغايرة، لاسرة
لها ستة او عشرة ابناء.
- حالة حاكم، له شعب يقدر تعداد سكانه بالالاف نسمة، هي حالة
مخالفة و مغايرة، لحالة حاكم له شعب يقدر تعداده بالملايين
نسمة.
- حالة حاكم، له شعب، 95 بالمائة منهم جهال و اميون، هي حالة
مخالفة و مغايرة، لحالة حاكم، له شعب، 95 بالمائة منهم
متعلمون.
ففي هذا المثال الاخير، سنجد اختلافا كبيرا، سينعكس على
الاوضاع بوضوح، فالحاكم الذي نسبة الجهل و الامية في شعبه،
هي 95 بالمائة، سيجد راحة في حكمه، و ستقل عليه
الاعتراضات، و تعليقات النقد، و مطالب الاصلاح.
اما الحاكم الذي تبلغ نسبة المتعلمين في شعبه، 95 بالمائة، فانه
لن يجد راحة في حكمه، و ستكثر عليه الاعتراضات، و تعليقات
النقد، و مطالب الاصلاح.
و لذلك يسعى الكثير من الحكام، الى ابقاء شعوبهم غير متعلمة
لاكبر وقت ممكن، من خلال اعاقة او ابطاء مشاريع التعليم و ما
شابه ذلك.
و لنفس الهدف، نجد ان بعض كبار المتعلمين و المثقفين، يفضل
الزواج من امراة امية، لانها ستعفيه من الكثير من المطالب، و
سيعيش معها دون الكثير من الاعتراضات و النقد.
و لنفس الهدف، يفضل الكثيرون تشغيل اشخاص او يد عاملة غير
متعلمة في اعمالهم و انشطتهم، لانهم اقل تكلفة، و اقل تطلبا و
نقدا و اعتراضا.
و لنتامل في مثال اخر يدل على تغيير الاوضاع، و هو في مجال
الكراء، فعقد الكراء هو عقد يقع بالتراضي بين المالك و المكتري،
لكن مع مرور الزمن، و توالي العقود، يتغير الوضع المعيشي، و
تتغير قيمة العملة، فتصبح قيمة مبلغ الكراء ضئيلة، فيطالب
المالك من المكتري زيادة مبلغ الكراء، لكن المكتري يرفض ذلك،
و يصر على بقاء مبلغ الكراء كما هو مدون في العقد.
و هذا المثال، هو ما ينطبق بحذافيره على كثير من انظمة الحكم
التقليدية، فهي ورثت بيعة تقليدية قديمة، هي اقرب ما تكون
للوكالة العامة المطلقة، و التفويض العام و التام، في حين ان
الاوضاع تغيرت، و شعوبها صارت متعلمة، و تطالب بانظمة
سياسية جديدة، تناسب الوقت الراهن، و تحد من صلاحيات
الحاكم، و تدعوا الى سلوك النهج الديمقراطي، الشبيه بالوكالة
الخاصة المقيدة و بالتفويض الخاص.
فيجب ان نتصور علاقة الحاكم بالشعب، من خلال عقد البيعة القديم
المتوارث، كحال المالك لعقار مع المكتري منه، و ان الشعب هو
المالك للعقار، و ان المكتري هو بمثابة ذلك الحاكم، و ان الشعب
بمرور الزمن يريد تغيير قيمة الكراء، نظرا لان الاوضاع برمتها
تغيرت، لكن الحاكم، الذي هو بمثابة المكتري، يرفض و يقاوم
ذلك و يتشبت بصيغة و قيمة العقد الاصلي القديم.
و بعض الحكام زيادة في مقاومة تلك المطالب، يحاول اضفاء طابع
القداسة عليه، و الايحاء للغير، بانه شخص من طينة اخرى، و ما
شابه ذلك، و بعضهم يشجع الارهاب و التيارات الدينية المتشددة،
و الداعية للقتال و الجهاد، حتى تقبل بحكمه المطلق، دول غربية
منتقدة له، لانها ستقارن بينه و بين تلك التيارات المتشددة، و
ستقول مع نفسها، انه كيفما كانت سياسة هذا الديكتاتور، فانه
افضل بكثير من تلك التيارات الدينية المتشددة.
ان النهج الذي كان سائدا في المجتمعات الاسلامية القديمة، كان
هو نظام البيعة، و لم تكن هنالك ديمقراطية، كما نعرفها اليوم، لان
المجتمعات انذاك، لم تبلغ درجة كبيرة في العلم و التعلم، و كان
التركيز يقتصر على الامور، التي تشكل اولويات و ضروريات،
دونما التطرق و التعمق في الجزئيات، نظرا لقلة اعداد السكان، و
غلبة الامية و الجهل و البداوة عليهم، و مصطلح الرعية يشير
الى هذه الاوصاف، لانه مصطلح يشبه الشعب بالاغنام، اما في
عصرنا، حيث ساد التطور، و انتشرت العلوم، و التقنية و
المعارف، و الوعي السياسي و الحقوقي، فان ذلك المصطلح يمكن
اعتباره اهانة و شتيمة، لانه لم يعد متقبلا، و صار المصطلح
المتداول هو المواطن، الذي له حقوق و عليه واجبات، و المطالب
باشراكه في كل القرارات.
و من جهة اخرى، فان العقود بمختلف انواعها، تعرف تطورا
بمرور الزمن، ففي عقود الملكية للعقارات، اضيفت اليها الكثير
من التفاصيل التي لم تكن فيها في الماضي، كالتحديد الجغرافي
الدقيق للموقع طبوغرافيا، و تحديد المساحة بدقة، و بابعادها
المختلفة، و تحفيظها رسميا، كما ان عقود الزواج مثلا في بعض
الدول، يتم اضافة الكثير من البنود و الشروط اليها من طرف
الزوجين العاقدين، بحسب ما يتفقان عليه، و هذا كله يدل ان
العقود، بما فيها عقود البيعة السياسية، قابلة للتجديد و التطوير،
بحسب المستجدات و المصالح، و كما يقال، فان العقد شريعة
المتعاقدين، و الشريعة هي احكام و قوانين، تتغير بتغير الازمنة و
الامكنة.
كما اننا نجد في المجال الديني، توجه جديد نحو دمقرطة الفتاوى
الدينية، من خلال جعلها قرارات جماعية صادرة عن هيئات
علمية، تضم مجموعة علماء، بدلا من الفتاوى الفردية، التي
تكون لها احيانا، انعكاسات سلبية، لان مجموعة عقول و اراء،
ليست كعقل و راي واحد.
سؤال: ماهو مشروعك، مشروع الامام المهدي المنتظر الثاني، و
هل هو ديمقراطي؟
جواب: مشروع الامام المهدي الثاني، هو مشروع سماوي الاهي،
يمثل اخر اصدار سماوي على الاطلاق، بمعنى انه، لن يكون
هنالك، ولي رسمي بعدي ابدا، و لن يعرف العالم عظيما، اعظم
مني مطلقا، فانا الغاية و المنتهى، كما ان هذا المشروع، هو
مشروع دولي عالمي، لان منتج الامام المهدي الثاني، هو منتج
معلن عنه في اهم الديانات و المعتقدات، فانا في الاسلام معروف و
مبشر بي باسم المهدي، و في المسيحية معلن عني، و مبشر بي،
باسم المسيح الجديد او المسيا، و انا في اليهودية معلن عني، و
مبشر بي، باسم المسيا كذلك، و انا في البوذية معلن عني، و
مبشر بي، باسم بوذا الخامس، و انا في الهندوسية معلن عني، و
مبشر بي باسماء اخرى، و هكذا في الكثير من المعتقدات.
و ما يدل على ان هذا المشروع، هو مشروع ديمقراطي عادل، هو
كون مجموعة 313 المختارة، و التي يمكن اعتبارها برلمانا
دوليا، نجدها تتميز بالتعدد و التنوع على جميع الاصعدة، فهي
تتضمن اعضاء، من كل القارات، و من جل الدول و الجنسيات و
الديانات و اللغات و الاثنيات و المذاهب، و المستويات الثقافية و
العلمية و المهنية و الوظيفية، و الاشكال و الالوان و الفئات
العمرية و الحالات الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية و غير
ذلك، و تتضمن الرجال و النساء، بحيث سنخلص الى انه، لم يتم
اقصاء او ابعاد اي مكون من المكونات، و كلها حاضرة و ممثلة
داخل المجموعة.
كما ان ديمقراطية المشروع، تتجلى في كيفية اقامته، فهنالك
مرحلة اولى، و هي قيام المجموعة بالمصادقة و التصويت على
المشروع بالموافقة بنعم، و بالتالي انطلاق المشروع في الليلة
المتفق عليها، ثم هنالك مرحلة ثانية، تاتي بعد تلك الليلة، حيث
سيتم فيها، وضع دستور جديد، يوضح بنود المهام و الصلاحيات
و غير ذلك، من خلال المشاركة و التصويت الحر و النزيه
لاعضاء المجموعة، وفق ما سيرونه باعينهم، و يقفون عليه، من
عروض و مشاهد و قدرات.
تعليقات
إرسال تعليق